اسم الكتاب: خانقين خلال ربع قرن 1900- 1925
بقلم فاضل كريم احمد
منشورات مكتب الفكر والتوعية في الاتحاد الوطني الكردستاني
المقدمة:
في اواسط حزيران 1973 نشرت جريدة التاخي الغراء هذه الدراسة (خانقين خلال ربع قرن 1900- 1925) عبر ست حلقات. واليوم بعد مضي اكثر من اربعة وثلاثين عاما على مشروع الكتابة واثنين وثلاثين عاما على نشرها، اشعر بمدى اهمية واثار نشر هذه الدراسة الميدانية على القراء الاعزاء وعلى تفكيري الشخصي ايضا.
*تقع مدينة خانقين على بعد (8) كياو مترات غرب الحدود العراقية الايرانية وتعود نشاتها لعوامل تاريخية متباينة، قبل قرون عديدة، لا يمكن الجزم بتحديدها لعدم وجود اثار ودلائل تاريخية تحدد ذالك في نقطة تقاطع الطريق الرئيسي (بغداد – خانقين – كرمانشاه) مع نهر الوند لسهولة اجتياز سلسلة جبال زاكروس في هذه المنطقة ولكونها اقرب السبل البرية التي تربط بغداد ببلاد فارس، فشيدت جسور كثيرة عليها لتسهيل مرور القوافل التجارية، الا ان مياه الفيضانات المدمرة جرفت معظمها وشيدت جسور جديدة على انقاض الجسور المتهدمة ذالك لاهمية طرق القوافل التجارية التي سلكت هذا السبيل ولعدم وجود طريق افضل منها يربط الشرق بالغرب. ص15
*ان العشائر الكردية بصورة عامة لم تكن مستقرة حتى اواسط القرن الماضي فاستقرت العشائر الرحالة بشكل تبدو الحدود الوهمية واضحة، فعشائر باجلان شمال شرق خانقين كشريط عريض شرق نهر سيروان ثم تنحرف نحو(قوره تو) الى (برويز خان) وتوحي بانها نزحت من هورامان. ص19
*وضمت كردستان – وخانقين من ضمنها السيطرة الاوتوقراطية العثمانية لقرون طويلة فعرقلت تطور المجتمع من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية... تخيم عليها ظلام التاخر الوسطى قبل الحرب العالمية الاولى.. ص20
*كانت المدينة متكونة من مجموعة من الاحياء الشعبية على جانبي نهر الوند التي تقسم المدينة الى قسمين، القسم الغربي وتشمل (جلوه واغا وخليفة) والصوب الشرقي تشمل (حجي قرهوالحميدية..الخ) وتتشعب فيها الشوارع الضيقة والازقة الترابية التي تتحول الى اوحال خلال مواسم الامطار ويتوسط المدينة السوق الكبير( تاريكه بازار سوق البزازين، سوق الحدادين..الخ) وقد نشات وتطورت عفويا. ص22
*اسست في المدينة بعض الجوامع مثل (جامع النقشبندي، الجامع الكبير، الجامع الصغير وجامع شيخ فتاح).ص23
*منطقة النفط خانة كانت فيها عين للنفط ، استاجره خورشيد بك من الوالي العثماني بمبلغ (100) روبية سنويا وتخصصت جماعة من الاكراد في العمل في هذه المنابع يستخرجوا النفط باشكال بدائية بسيطة وينقل بواسطة القرب (يسمى باللغة الكردية كونه) الى المدن والارياف لبيعها وعرف هؤلاء ب (نه فتجي- تايفه ي نه فتجيه كان) وهم من الجماعات التي تعيش قرب المناطق التي ينبع منها النفط بصورة طبيعية. ص28
*في ظلال الحرب
خلال سنوات الحرب العالمية الاولى سيطرت جيوش روسيا القيصرية على القسم الشمالي والشمالي الغربي من ايران وانحدروا من ثغرين لضرب الجبهة الشرقية للجيش العثماني وحدثت حروب دامية في بوكان – بانه – سابلاغ بين الجيشين ولعب الشعب الكردي دورا مهما بقيادة الشيخ محمود الحفيد في صد الروس لفترة من الزمن ومطاردتهم داخل الاراضي الايرانية في – بينجوين – والقسم الاخر من المعارك كانت تدور في منطقة خانقين على طول الحدود العراقية الايرانية. ص28
*عندما سيطرت روسيا القيصرية على شمال شرق ايران، اعدم الاتراك حميد خان وستة اشخاص من عشيرة جمور في قرية (حوش كوري) بتهمة اغتيال (بهاء بك) قائم مقام خانقين اثناء تجوله في تلك المنطقة، والحقيقة ان شخص مجهول قتله في حادثة غامضة لكن اعداء حميد خان استغلوا هذه القضية للوشاية به عند الاتراك، فنقم مجيد خان على الاتراك واقسم بالانتقام لشقيقه مهما كلف الامر، فالتجا الى ايران واتصل سرا بالروس في مدينة كرمانشاه، فرحبوا به وانعموا عليه لقب مجيد سلطان وقد ذكرنا في البداية انه كان له علاقات متينة مع (ميجرسون) وغدا في تلك الايام الحكم المطلق لتلك الديار، وانزل العقاب الصارم باعدائه ونكل بهم ابشع تنكيل، وقدم خدمات كثيرة الى الروس وساعدهم على اخضاع تلك المناطق. ص33
*ظل الانكليز وحدهم في ميدان المعركة، اثر انسحاب الروس نهائيا، وتراجعت الجيوش العثمانية امام الجيش البريطاني من الجنوب الى الشمال.
كانت مدينة خانقين خالية من القوات العسكرية حين دخلت القوات البريطانية وفرضت سيطرتها عليها دون مقاومة. ص39
*ان ماشغل البريطانيين هو ربط معظم انحاء العراق بخطوط السكة الحديدية، لتوصل الجنود والعسكرين الى المناطق المللتهبة باقصى سرعة ممكنة قبل مد طرق المواصلات البرية، فشرعوا بهذا العمل بمد خط بغداد جلولاء الى باوه محمود ثم نحو قوره تو- شمال الشرق – لتقوية الاتصالات بين الجيش البريطاني في العراق وايران. وقد استعان الانكليز بالاكراد للقيام بالاعمال اليدوية وهم يعيشون في الخيام الحكومية ويلبس معظمهم اكياس الدقيق الخشنة، لان اجورهم لم تكن تكفي لشراء الملابس، ويروي ان كثيرا منهم ماتوا بفعل العوارض الطبيعية (الجوية) او تاهوا في البوادي واصبحوا فريسة الحيوانات المفترسة. ص41
*ثورة العشرين
تفجرت حركات ثورية عنيفة في جنوب العراق، دحرت القوات البريطانية في عدة مواقع وشملت معظم المناطق الجنوبية وحيث يبدو ان العراق اشرف على التحرير والانعتاق وامتد الحريق الثوري الى بغداد وبعقوبة، هذه الحوادث اججت مشاعر جماهير خانقين.
فان عشيرة الدلو يترقبون الاحداث بلهفة واهتمام كبير، وتحركوا من قراهم بكافة اسلحتهم بقيادة كريم خسرو بك نحو النفط خانة ودخلوا في معركة جادة ضد القوات البريطانية واشتبكوا مع البوليس الذين خرت عزائمهم امام الثوار، وبعد قتل قسم منهم قرروا الاستسلام واستولوا على جميع ذخائرهم العسكرية، وهرب الانكليز الى خانقين وتركوا ورائهم قتيلين وتسعة اسرى. ان غالبية عمال النفط خانة انظموا الى صفوف الثوار وساندوهم في السيطرة على النفط خانة وتسلح بعضهم وتمطو جيادهم مع معظم الحراس. ص46
*ان سياسة الانكليز البغيضة واساليبها المتعرجة كانت من اهم ثورة العشرين، وظهر روح معاداتهم في كل مكان ، كانت العلاقات العشائرية تهيمن على المجتمع بصورة طاغية ومن هنا يتجلى لنا تاثيرها على ميزان القوى. ص54
*استمرت القوات البريطانية والقوى الرجعية بتمشيط المناطق الجنوبية الشرقية واستعد الثوار لردهم على اعقابهم فالتقى الجانبان في – كوزه ره قه – ودارت معركة حامية الوطيس بينهما تكبدت القوات الغازية خسارة فادحة في الارواح والمعدات.
ادرك رؤساء عشيرة الدلو ان الحكومة تنتقم ويعدون الخطط لهجمات اقوى وعند رجوعهم الى ديارهم ( كاني ماسي) فكرو في تغيير منطقتهم لانها ارض غير صالحة للمقاومة والحرب، فقرروا مغادرتها الى منطقة وعرة المسالك تعجز الحكومة عن ملاحقتهم ووقع خيارهم على جبال – بير تلاب – ليتحصنوا في بواديها الا ان يزول عنهم الخطر، لم تمض سوى فترة قصيرة، نفذوا الفكرة بسرعة، نصبوا هناك خيامهم، حيث ثبتوا الاوتاد ونشروا عليها المرط والملائة – كليم ومه وج – لايواء العوائل ونصبت خيمة كبيرة لرؤوساء العشيرة كديوان يجتمعون فيها عادة واثناء النهار كان كريم خسرو بك يخرج مع كوكبة من فرسانه للتجوال في حدود تلك المنطقة لحفظ الامن ومراقبة القوات المعادية .. وفي هذه الفترة كان القنصل البريطاني يشتري ذمم رؤوساء عشيرتي السنجاوي والكلهر في ايران لمحاربة الثوار الاكراد في العراق واقنعهم بدفع خمس روبيات لكل محارب مع ما يحصلون عليه من غنائم وقد تراسهم سردار ناصر خان السنجاوي. وجهزت الحملة تحت اشراف القائد الانكليزي ( كرينكهاوس) للاغارة على الاكراد، وبلغ عدد المرتزقة ثلاثمائة شخص. ص56
*ان انزلاق الدلو في مشاكل عويصة رسخ فيهم الاعتقاد باستحالة البقاء على ارض العراق قرروا الرحيل الى والي لرستان في ايران والطريق الى لرستان محفوفة بالمخاطر لنشوب خصومات قبلية بينهم وبين عشيرة ( جه ر مه و ه ند) سابقا، فخطر ببالهم فكرة التصالح مع هذه العشائر. توجه وفد كبير من الدلو للفصل بين العشيرتين، وفي فترة غياب فرسانهم، انتهز الانكليز هذه الفرصة، فحرض بعض العشائر العربية الذين كانوا ضمن الحلف للاغارة على ديار الدلو، فهجم الاعداء ونهبوا ما وقع تحت ايديهم واحرقوا بيوت الشعر، ولم يغادروها الا بعد تدمير المنطقةبشكل وحشي. ص60
*تلبدت السماء بغيوم الحزن والكابة، انتقل خورشيد بك الى رحمة الله، عاشت عشيرة الدلو سويعات عصيبة من حياتها. ودارت الايام وتغيرت سياسة الحكومة واعلنت العفو العام لفتح افاقا اخرى امام عشيرة الدلو، وتضع نهاية للتشرد والبؤس، فاوعزوا الى الحاكم السياسي في خانقين عن نواياهم في الاستقرار والرجوع الى قراهم المهجورة، فرحب الحاكم السياسي بهذه الفكرة ودعاهم للتفاوض فتشكل وفد كردي برئاسة المرحوم حسن احمد بك للتفاوض مع الحاكم السياسي ونجحت المفاوضات لان الانكليز كانوا في حاجة ماسة الى من يدلهم الجبهة الشرقية من المخاطر والمحافظة على شركة النفط خانة خوفا من هجمات العشائر الايرانية وتقرر تشكيل فرقة للحراسة قوامها خمسة وسبعون فارسا دلويا لحفظ الامن في تلك المنطقة، وتحول قسم منهم الى عمال في شركة النفط ومنذ تلك الفترة وحتى الوقت الحاضر يحافظون على امتيازاتهم حسب بنود المفاوضة المبرمة.